دكتورة ميساء المصري
يقول الفلاسفة * أن الخوف من الحرب ..أسوأ من الحرب نفسها ..ومع صوت الأسلحة تصمت القوانين *..وبالمقابل يطل علينا إيهود باراك رئيس وزراء الإحتلال الأسبق ليقول أن هذه الحرب ستكون لعنة العقد الثامن على الدولة العبرية (حيث على مر التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 عاما إلا في فترة الملك داود وفترة الحشوناتيم).
أما كارمي غيلون رئيس الشاباك السابق فيعلن أن السياسة الصهيونية المتطرفة الآن ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد اليهود وستقود إلى خراب إسرائيل. ومع هذا الخراب من زوايا تأريخية ودينية نجد خرابا سياسيا من معارك الوهم المتبدد و أمطار الصيف والرصاص المصبوب والجرف الصامد إلى التهديد بخيار الحرب البرية ونحن في اليوم التاسع من الطوفان ..والتي يجمع قادة الكيان في سرهم على أنها جحيم ستحرقهم.. مع إصرار نتنياهو الفاسد بحكومته على حرب إستنزافية طويلة نسبيا بسياسة الأرض المحروقة . واهمين أن الطريق سالكة لدخول غزة وتصفية المقاومة بعد تحويلها إلى جيوب .
ومع الشكوك حول الدوافع الشخصية لنتنباهو في هذه الحرب إلا أن جرائمه بالتهجير القسري والتطهير العرقي والنقل الإجباري والقهري لن تفيده حتى لو أصبحت غزة مدينة المليون شهيد .وخيار الموت بالقصف والجوع أو التهجير للأبد خيار مرفوض .إذ يبدو أن الكيان المحتل الصهيوني لغاية الآن لم يتعرف على عدوه الذي يواجهه ،ويتمركز في محيطه.
ويبدو جهله واضحا من تجهيز 360 ألف جندي لجزهم في الإجتياح البري وما يفعله من عدوان جوي وبري هو لتغطية هدفين ..
الأول: إعادة بناء الثقة التي إنعدمت تماما بين الجيش والشعب والمستوطنين من جهة وبين الجيش ونظام الإستخبارات من جهة أخرى..وهذه الثقة كانت عاملا اساسيا في بناء دولة الكيان ..فوظيفة الدولة في الكيان هي حماية المستوطنين أو الشعب لذلك يسعى نتنياهو بكل الطرق لإبقاء الجيش قويا والدولة موجودة وإبقاء نفسه في الحكم ..
أما الهدف الثاني :فهو إبادة غزة والتهجير والقضاء على حماس كقوة عسكرية لها سلطتها.
وربما هنا يتغاضى أو يتجاهل نتنياهو المتهرب من قضايا تهدد مساره السياسي ..الصعوبات الحارقة والخسائر الكبرى التي سيحصدها من قراره بالحرب البرية ،ولعل أهمها …
ورقة الرهائن وهي ورقة زادت أهميتها بعد حديث أمريكا عن وجود رهأئن يحملون الجنسية الأمريكية مما يبيح لها التفاوض وإنخراط قوات أمريكية في الحرب البرية كما تم الإشارة إلى وجود فرقة متخصصة بإطلاق سراح الرهائن ستدخل خفية للقطاع ..وهنا عملية الإنقاذ ستكون مستحيلة وتسبب مأزقا أخلاقيا لنتنياهو .
الأنفاق وهي المشكلة المركزية لأي حرب مع غزة أو مع غيرها فهي أضعاف أنفاق فيتنام مستنقع القوات الأمريكية وقتها ،نتحدث عن مسافة تقدر ب500 كم فلا خطة جدعون نفعت ،ولا خطة تنوفا تحققت ،فمترو حماس سيكون مخاطرة كبيرة لجنود الإحتلال في المناورة والهجمات المفاجئة .
حرب الشوارع والقناصة والقتال في مناطق ضيقة وكثيفة الحركة أو السكان ومفخخة والقتال الصفري من مسافة صفر . كذلك ترسانة الصواريخ وقذائف الهاون التي تملكها حماس،كل ذلك يشكل تهديدا فعليا لجنود الإحتلال مع التخوف التام من مفاجآت القسام لهم .
التخوف كذلك من فتح جبهات أخرى مع تدافع التصريحات حول ذلك .حيث انتشرت أنباء عن وصول دفعة صواريخ إيرانية طويلة المدى على الحدود العراقية السورية بإرتفاع 1400 مترا.
وهنا لا نغفل عن إدراك حزب الله من أن كسر المقاومة الفلسطينية أو تصفيتها سيضعف محور المقاومة ككل ..فهل العمليات في الشمال ستكون البداية ؟.
لا شك أن الطوفان غير معايير كثيرة في الإقليم منها أن الأساطيل الغربية وحاملات الطائرات تسعى جاهدة في بحر المتوسط لإبقاء الكيان قويا وان مكانته محمية مما يعني أن هناك ضعف واضح بدأ يظهر للعلن.
وفيما يخص الأطراف الدولية كتركيا والصين وروسيا وكوريا الشمالية اثبتت أن مصالحها برفض الهيمنة الأمريكية الغربية حتى وان تحالفات معها ،وحتى أن تعالت الأصوات بدعم الطرف الفلسطيني .
أما الأطراف الإقليمية العربية فقد وصلتها رسالة أن شعوبها ضد تطبيعها وإن جولة القتال هذه سيف ذو حدين ستفرض ضغوطات شعبية لا يحسب حسابها.
و رغم أن الطريق لا يزال وعرا إلا أن الرؤيا واضحة وما عليكم سوى إلتزام خط المسير …وإلا فأنتم تأمنون شيئا غير مرئي…فالسياسة حرب باردة، والحرب سياسة ساخنة.
كاتبة وباحثة في شؤون الشرق الأوسط