أخبار عاجلة

الزميل بيبه ولد امهادي يكتب : ها قد لاحت الوجوه الكوالح

الزميل بيبه ولد امهادي يكتب :
ها قد لاحت الوجوه الكوالح

مجددا يعود الظلم الزعاف من النافذة وقد خلناه خرج غير مأسوف عليه من باب العدل والإنصاف بلا رجعة.. عبثاً يعتقد المواطن أن حقوقه مصونة وأن دولة الحق قائمة فعلا، ووهْماً يظن الظالمون أننا نستسلم لمساوئ فعالهم.

في ديسمبر عام 2015 نشرتُ مقالا أشكو فيه محاولات اعتداء على ساحة عامة قبالة منزلي في الحي المعروف “بسانتر أمتير” أو حي البث الإذاعي والتلفزيوني في انواكشوط. وأتذكر أنني كتبت في خاتمته أنني آمل ألا أعود إلى طرح الموضوع من جديد. ارعوى المعتدون ساعتها وولّوا الأدبار بعد أن عرّت شمس الفضيحة وجوها لا يميزها السجود لمن حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرّما. لا شك أن نيات طيبة قد سخرها الله لطي تلك الصفحة، فشكراً لله على أنعامه ثم لأصحاب تلك النيات والجهود الطيبة.

كثيرون هم الإخوة الأفاضل من بني وطني وزملائي من خارجه، الذين ظلوا يسألونني من حين لآخر: “ما قصة بيتك والساحة؟ هل رُفع عنك الظلم؟”، فأجيب بأن الإشكال قد حُلّ وتجاوزناه بفضل الله.

أثار الموضوع حينها قدرا كبيرا من التضامن والتعاطف. لعل الناس داخل البلاد رفضوا الظلم لأنه بغيض ومشين من جهة، ولأنه قد ينزل “ساحاتهم” من جهة ثانية لا قدّر الله. ـ أما في الخارج فلم يصدّق الناس أنه ما زال بالإمكان الاعتداء ضحوة على المجال العام وأن تُقتل آمال المواطن في عيش كريم في حي نظيف نسبيا أو مقبول، حتى لا نشطّ في المبالغة.

نعم، هؤلاء وأولئك لا يستسيغون، وحُقّ لهم ذلك، أن يسطو المتلفعون بعباءات النفوذ الزائلة والزائفة، على ملك عام ومتنفّس لعشرات البيوت المطلة على ساحة عامة.. والأمر في منتهى البساطة، فهي في نهاية المطاف ليست قطعة مستعارة من جنات تجري من تحتها الأنهار، وإنما مجرد ساحة جرداء وجرباء ما فتئنا منذ سنوات نسعى باسم أهالي الحي ومعية بعضهم، لأن تستصلحها الدولة ضمن جملة من الساحات قالت لنا بلدية “تفرغ زينة” ووكالة التنمية الحضرية، إنها فعلا “مبرمجة”، أي أن تشجيرها وتهيئتها بشكل لائق من بين خطط الحكومة.

وقد درجتُ على متابعة أمر هذه الساحة كلما وطأت قدماي أديم انواكشوط، وآخر اتصالاتي في هذا الإطار زيارة ثانية لمقر وكالة التنمية الحضرية التي قالت لنا الجهات المعنية إن الأمر منوط بها. هناك التقيت وجها لوجه مع مدير البنيات التحتية في الوكالة بعد أن كانت اتصالاتي السابقة به عن طريق الهاتف فحسب.

يستقبلك الرجل بحبور وتفهّم ويعِد ويمنّي ويقول إن صفقة قد أبرمت بالفعل مع مقاول لاستصلاح ساحتنا الفاتنة هذه؛ ثم يقول لاحقا إن المقاول بدأ بساحات أخرى، ثم يخلص إلى أن الميزانية قد قصُرت عن بعض المشاريع بينها الساحة محط الأطماع. أما الخطوة الموالية والمتوقعة فهي أن السيد فلانا هذا، لم يعد يستقبل مكالمة تستفسر، أو يرُدّ على تحية.

وهْم المتنفّذين
اليوم إذن أفي بوعدي “إن عدتم عدنا” لأن أصحاب الباطل الزاهق قد عادوا وعادت وجوههم الكالحة، وهم يستقوون بمخططات يقول العارفون إنه حتماً قد “شرّعها لهم المتنفذون” من شركاءَ زيّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة كالعادة. وقد وقفتُ فعلا من خلال زيارة لموقع https://elminassa.com/map على حقيقة أن ساحة معركتنا ضد زبانية الفساد والمستوطنين المتنفذين، قد منحها نتنياهو الذي لا يملكها لأتباع سموتريتش وابن غفير الذين لا يستحقونها.

أهالي هذا الحي لن يقبلوا الأمر الواقع ولا المكائد التي تحاك في غفلة من أصحاب السلطة والياقات البيضاء، وسيدافعون عن هذا الحق بأنيابهم وأظافرهم وباللجوء للقضاء إذا اقتضى الأمر ذلك، حتى ينالوه أو يموتوا دونه في “ساحة الشرف”.

مفارقات صارخة
سبحان الله.. منذ أيام وأنا أشاهد في التلفزيون الرجل الثاني في الدولة، الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي وهو يتفقد مشاريع قيد الإنجاز، ويتحدث عن مئات الورشات والبرامج التي تخطط الحكومة لإقامتها في إطار “البرنامج الاستعجالي لعصرنة مدينة انواكشوط”، ولم يدر بخلدي إطلاقا أنه في الوقت الذي تتابع فيه العين هذه التدشينات وزيارات التفقد والحث على سرعة الإنجاز وإتقان العمل، سيتكشّف للعين الأخرى، ما يتفشى من فساد لا رادع له، في الشق الآخر من المشهد.

محك العدل والإصلاح
قبل أسبوعين ثارت عاصفة هوجاء وأطيح برؤوسِ إداريين وعسكريين كبار، إثر نبش قبر قيل إنه لمتنصّر في مدينة سيلبابي جنوبي البلاد، في ملف لا نستطيع الحكم عليه لأن كثيرا من ملابساته غائب عنا، والله وحده يعلم إن كان المسؤولون المجرّدون من مناصبهم أبرياء تماما أو أنصاف أبرياء؛ لكنّ المنطق السليم يقتضي أيضا أن نرى رؤوسا تتساقط هنا وهناك وملفات تُفتح لتُخْرَج من أحشائها لوائح المفسدين ورؤوسُ الشياطين، من قِبل مصلح قوي أمين، ثم يغسل يديه سبعا ثامنتها بالتراب.

إن الاعتداء على ساحة عمومية ليس اعتداء على أنثى فحسب، وإنما هو أيضا استهتار بالدولة والقوانين وعبثٌ بحاضر البلاد ومستقبلها، من قبل محترفي نهب المال العام والارتشاء والفساد والنفاق وسوء الأخلاق؛ فكيف تسمح السلطات للمخربين بتقويض أسس الدولة والمجتمع وإجهاض أحلام المواطنين وإيمانهم بأن لهم دولة تسنّ القوانين وتحميها من شرذمة قليلين كيدُهم ضعيف، إذا ما واجهتهم إجراءات صارمة وإرادة صادقة للإصلاح؟

وختاما، لماذا يَفرض علينا المتطرفون في الجور، وقد حنّكتهم به أيامهم المشؤومة، أن ننزل من حين لآخر إلى ساحات تفتقر إلى المروءة والكرامة وهم قد خبروا منعرجاتها ودهاليزها المظلمة؟

23 أبريل, 2025
بيبه ولد امهادي – صحفي موريتاني

اتصل بنا على: 43409999 - 36676969 - 20301515

شاهد أيضاً

ولد مرزوك يسلم الرئيس الإيفواري رسالة من الرئيس ولد الغزواني

وزير الخارجية الموريتاني يسلّم رسالة من الرئيس الغزواني إلى نظيره الإيفواري سلم محمد سالم ولد …