شكلت الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 وعيا لدى الدولة المغربية بأن المغرب ليس استثناء، وأن مواجهة الإرهاب تتطلب وضع استراتيجية متعددة الأبعاد وطويلة الأمد لا تقتصر على استهداف البنية التنظيمية للخلايا الإرهابية، بل تشمل الجذور الفكرية/العقدية وكذا العوامل الاجتماعية التي تتغذى عليها التنظيمات الإرهابية وتوظفها في استقطاب المتطرفين وتجنيدهم لتنفيذ مخططات القتل والتخريب. في هذا الإطار اعتمد المغرب استراتيجية شمولية لمواجهة الإرهاب الذي صار ظاهرة عابرة للقارات، مما جعل مسألة التعاون الدولي وتنسيق الجهود بين الدول أمرا ضروريا نظرا لاستحالة مواجهته من طرف أي دولة منفردة. ويمكن تلخيص أبعاد استراتيجية المغرب في مواجهة الإرهاب كالتالي:
1 ــ البعد الأمني: حيث تركزت الجهود على تتبع أنشطة المتطرفين ورصد تحركاتهم، سواء في الواقع العيني أو في العالم الافتراضي، الأمر الذي مكن الأجهزة الأمنية من تطوير كفاءاتها وإغناء خبراتها التي ساعدت على رصد الخلايا الإرهابية وتفكيك مخططاتها قبل الانتقال إلى التنفيذ. وبفضل اليقظة الأمنية وما راكمته من خبرات ،تم تفكيك ما يفوق 200 خلية إرهابية منذ 2003، وتكوين بنك معلومات جد مهم عن العناصر الإرهابية وتحركاتها وشبكة العلاقات التي تربط فيما بينها عبر الدول. ونجح المغرب بمقاربته الأمنية الفعالة في توجيه الضربات الاستباقية إلى العناصر الإرهابية وإفشال مخططاتها التخريبية قبل الانتقال إلى تنفيذها، مما أفسد على الإرهابيين انتشاءهم بإراقة دماء الأبرياء.
وحقق تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، سنة 2015 نقلة نوعية في عمل الأجهزة الأمنية عالية التكوين والتدريب. وبفضل هذه الخبرات الغنية صارت الأجهزة الأمنية تحظى باحترام الدول التي باتت تطلب الاستفادة منها والاستعانة بها في مواجهة المخططات الإرهابية (فرنسا، بلجيكا، إسبانيا)؛ الأمر الذي عزز دور المغرب في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب أهله ليتولى منصب رئيس المنتدى العالمي لمواجهة الإرهاب إلى جانب هولندا.
2 ــ البعد الاجتماعي: ويتمثل في تركيز جهود الدولة على محاربة الفقر والهشاشة ودعم فرص التكوين والتشغيل الذاتي (إطلاق: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب). والغاية من المقاربة الاجتماعية بالإضافة إلى خلق فرص التنمية، تحصين الشباب والفئات الهشة ضد استغلال التنظيمات المتطرفة لظروفها الاجتماعية.
لكن الملاحظ هو عجز حكومة العدالة والتنمية عن مجاراة هذه الاستراتيجية وتنفيذ أهدافها بسبب افتقارها إلى الكفاءات الوطنية التي تبدع الحلول وتتفانى في خدمة المصلحة العامة. إذ في الوقت التي تروم فيه استراتيجية محاربة التطرف والإرهاب معالجة العوامل الاجتماعية المغذّية للظاهرة، تصر حكومة البيجيدي على توسيع دائرة الفقر والتهميش بسلسلة من الإجراءات والقرارات (إلغاء صندوق المقاصة الذي يدعم المواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات، تقليص فرص التوظيف والآن حذفها لمدة 3 سنوات، تجميد الترقيات، تخفيض ميزانية التعليم والصحة..)
3 ــ البعد الروحي: حيث ركّزت جهود الدولة على إعادة هيكلة الحقل الديني وتجديد الخطاب الديني بمراجعة مضامينه في خطب الجمعة والبرامج التعليمية والتكوينية والإعلامية بهدف محاصرة عقائد التطرف وإشاعة روح الإسلام السمح وعقائد الاعتدال والتسامح. في هذا الإطار تم تأسيس “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات” وتعيين المتخرجات والمتخرجين على مجموع مساجد المملكة لتأطير المواطنين ومحاربة الأمية .كما تم وضع “خطة دعم” سنة 2015 ، وتعنى بتأطير الأئمة على الصعيد المحلي. وهذه الخطة أعدتها الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى بالتنسيق مع الوزارة حيث تم إحداث منظومة معلوماتية مندمجة، تضم شبكة ومعدات معلوماتية وبوابة، تربط بين الوزارة والأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية، ومندوبيات الشؤون الإسلامية، والأئمة المرشدين عبر الإنترنيت، إما بروابط عالية الصبيب، أو روابط (ADSL)، أو روابط (3G)، أو (GPRS).
ووعيا من المغرب بأن الحرب على الإرهاب ليست فقط عسكرية وأمنية، بل هي كذلك فكرية ، بادر إلى تأسيس”مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” لتأمين المجال الروحي في محيطه الإفريقي عبر تكوين الأئمة والخطباء من عدد من الدول الإفريقية التي رغبت في الاستفادة من التجربة المغربية في محاربة التطرف والإرهاب .
وحظيت هذه الجهود بتقدير كثير من دول العالم . وفي هذا السياق نوه بول هاميل، مدير الشؤون الخارجية بمجموعة التفكير الأمريكية “أميريكن سيكيوريتي بروجيكت” بـ”الجهود التي بذلها المغرب في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف تجسدت من خلال نتائج ملموسة، لاسيما بفضل “دينامية الإصلاحات على الصعيدين السوسيو اقتصادي والديني”.
كما شملت استراتيجية مكافحة الإرهاب برنامج”مصالحة” الذي انطلق سنة 2017 ، ويهدف إلى محاورة المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب وتأهيلهم ليتم إدماجهم في المجتمع. وبلغ مجموع المستفيدين من هذا البرنامج 150 من سجناء التطرف والإرهاب ( 30 في المائة من مجموع سجناء التطرف والإرهاب الصادرة في حقهم أحكام نهائية).
4 ــ البعد القانوني: حيث عمل المغرب على تجديد ترسانته القانونية وتعزيزها بقانون 03.03 المتعلق بمحاربة الإرهاب بالإضافة إلى إدخال تعديلات مهمة على القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، همت تمويل الإرهاب والإشادة به، وتجريم تبييض الأموال، والدعاية للتنظيمات الإرهابية وقادتها، وتجريم الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالجماعات الإرهابية. كما تم إحداث وحدة معالجة المعلومات المالية (الوحدة) بموجب مرسوم صادر بتاريخ 24 دجنبر 2008 تحت رقم 2-08-572، تطبيقا للمادة 14 من القانون رقم 43-05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والذي تم تعديله في مناسبتين: الأولى في يناير 2011 بموجب القانون رقم 10-13 ،والثانية في ماي 2013 بموجب القانون 145-12.
فضلا عن هذا، تعمل الدولة على توفير المزيد من الحماية لمؤسساتها ضد المخاطر العالمية المتزايدة، وذلك بمصادقة المجلس الوزاري يوم الأربعاء 8 يوليوز2020، على قانون الأمن السيبراني، الذي يهدف إلى تعزيز أمن أنظمة المعلومات في مختلف المؤسسات العمومية والتي تستهدف اختراق الأنظمة المعلوماتية سواء لمؤسسات الدولة أو الشركات الوطنية.
5 ــ البعد الدولي: نظر لارتباط بعض الجماعات الإرهابية بالجريمة المنظمة العابرة للحدود، مثل جرائم الاتجار غير المشروع بالأسلحة، والاتجار بالمخدرات والأشخاص، وتهريب المهاجرين، والاختطاف للحصول على فدية، وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، انخرط المغرب في الجهود الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب ، إيمانا منه بأن الحرب على الإرهاب تفرض تعاونا إقليميا ودوليا واسعا وتنسيقا محكما بين مختلف البلدان. وفي هذا الإطار شارك المغرب في إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة 2004؛ كما أبرم العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف في مجال الأمن ومحاربة الإرهاب.
كما ظل المغرب يحرص على تعزيز التعاون جنون ـ جنوب مع الدول الإفريقية التي يعتبرها امتدادا لمجاله الحيوي والأمني، خصوصا بعد تزايد أعداد الإرهابيين القادمين من مناطق التوتر (سوريا والعراق) واتخاذهم من منطقة الساحل والصحراء قواعد أساسية يعوضون بها ما فقدوه في العراق وسوريا.
إن جهود التعاون التي تبذلها الأجهزة الأمنية المغربية مع نظيراتها في باقي الدول على مستوى تفكيك الخلايا الإرهابية، حظيت بتثمين من الخارجية الأمريكية التي وصفت التدابير الأمنية المتبعة من طرف المغرب .
بقلم/ سعيد الكحل