ماذ بعد توقيف الجناة؟ من صفحة المدون : سيدنا عالي المصطفي
بعد الكشف عن قتلة ولد برو رحمه الله تثبت شرطتنا قدرة عالية على التعقب والبحث رغم غياب الدليل لأن الجناة قد طمسوا كل معالم الجريمة باحترافية لا تتناسب وأعمارهم ربما كانت – لولا مهنية المحققين – ستجعلهم يسقطون من حساباتهم كونها نفذت من قبل مجرمين أحداث
لكن ماذا بعد توقيف الجناة؟ خصوصا مع بشاعة جريمة قد حفرت أثرا نفسيا في مجتمع بأكمله وشككت في مصداقية منظومته الأمنية؟ وجعلت الكل يشعر بإنعدام الأمن وحولت الخوف إلى واقع معاش؟ طبعا هناك المسطرة الجنائية التي يجب أن لا تتسامح لكن هل تكفي لوحدها؟ إن الجريمة الحضرية ظاهرة إجتماعية معقدة وحلها لا يكون بالعقوبة لوحدها مهما كان مستوى الردع الذي طبق فيها لأن القضاء على المرض العضال يكون بالتخلص من الفيروس أو المكروب المتسبب به وليس فقط ببتر الأعضاء التي وصلها المرض فما هي مسببات هذه الجريمة التي قادت إليها؟؟؟
أول الأسباب التي تقود شبابا في عمر الزهور إلى تنفيذ هذه الجريمة بالسادية التي نفذت بها وكما تأكد أنهم من أصحاب السوابق لا شك أنه خلل كبير في منظومتنا العقابية وللأسف تتجه الأصابع دائما إلى المرحلة الإجرائية من المتابعة وتغفل المراحل الأهم للمقاضات والتأديب فتظهر الأجهزة الأمنية فقط كمسؤول عن الفشل رغم أن مهمتها تنحصر في مرحلة الضبطية القضائية التي تكتشف الفعل وتحيل الفاعلين إلى وكلاء الجمهورية وتنتهي مهمتها هناك لتجد بعد مدة قليلة جرائم أخرى وتكتشف أن من اقترفها أحيل في وقت سابق وهكذا دواليك لكن أين مكمن الخلل في ذالك؟ مكمن الخلل في منظومتنا العقابية مرده إلى سببين الأول يتعلق بالعقليات التي تجعل المجتمع يدفع إلى الأخذ بالتخفيف مهما كانت الجريمة ويسلط في سبيل ذالك ضغوطات كبيرة على مستويات عديدة في أغلب الأحيان تقود إلى الإفراج عن المدانين أو تخفيف الأحكام عليهم والثاني يتمثل في غياب الإصلاحيات ومراكز التأهيل من مؤسساتنا العقابية التي صارت تكوِّن في بعض الأحيان على الجريمة من خلال غياب النشاطات المهنية والدورات التعليمية والمتابعة النفسية والرعاية الإجتماعية للمساجين خصوصا الأحداث منهم والذين يجب أن تتحول السجون إلى مراكز لإعادة تأهيلهم للحياة خارج السجن فيخرجون أناسا آخرين قادرين على الإندماج في المجتمع
ثاني الأسباب التي تجعل بعض الشباب الصغير بالسن يقدم على جريمة بشعة لأسباب تافهة هو التسيب الأسري داخل مجتمع المدينة خصوصا الناتج عن تدهور المنظومة القيمية للمجتمع الأمر الذي أرسل العديد من الشباب الصغار والأطفال إلى الشارع بسبب غياب الرعاية نتيجة للتفكك الأسري وانتشار الطلاق والزيجات الوقتية إضافة إلى تدهور التعليم وارتهانه للتعليم الحر مع ضعف الموارد واستهتار أسر أخرى ذات بسطة في الرزق بتربية أبنائهم وسعيهم إلى مرضاتهم على حساب مصلحتهم كل ذالك مع خطورة مجتمع المدينة وسهولة الولوج فيه إلى عالم المخدرات والمؤثرات العقلية وسبل الضياع الأخرى في وضع يشهد شكلانية عمل المجتمع المدني الذي رغم انتشاره إلا أن نشاطه منحصر غالبا في الجانب الدعائي للحصول على الدعم أكثر منه في الجانب العملي للمساهمة في تغيير الواقع الإجتماعي ومساعدة الأسر والشباب على مواجهة المخاطر المرتبطة بالعيش داخل الوسط الحضري فالمجتمع المدني أداة لا غنى عنها في عملية تحصين المجتمع ومحاصرة الجريمة والأمراض المجتمعية الأخرى
في الأخير يجب أن نتعامل بتعمق مع الظواهر المجتمعية التي تواجه مجتمعنا ونتوقف عن السطحية والتناول تحت تأثير مخدر الغضب لكي نستطيع فهم مسبباتها وتكوين تصور عنها مبني على معطيات سليمة من خلاله ننصف من يوجدون في دائرة الضوء ونأخذ الطريق الأمثل لعلاجها