تسلل الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى تاريخنا حين كان التاريخ يغط في سباته العميق، و هو الجاهل، المتهور، الذي لا مكان له غير مزبلة الزمن الخؤون.. هنالك حيث يعيش الأنذال المتسلقين أمثال رفاقه صامويل دو و داديس كامرا..
لم يترك الأرعن جريمة لم يرتكبها في حق وطننا البائس: وأدَ الحلم الديمقراطي، و عبَّ كوب المال العام حتى آخر رشفة، و صادر الحريات، و أهدر الطاقات، و أهان المواطن، و احتقر الإنسان.. لم تبق عروب كرامة في خدرٍ لم يباضعها، و لا وعول عزة لم يستنزلهم من علياءهم.. فلم يعد بمقدور كريم أن يعيش في هذا الوطن، الذي استحال فيه العهر طهراً، و القوادة قيادة.
و لو أن ما استولى عليه الجنرال من عمارةٍ أقلامٌ، و ما في بطن بلدنا المعطاء، من غاز و بترول و لعاب مدراء جشعين، مداداً ما نفدت مثالب الجنرال الأرعن، و لا استوفى كاتب مساوئه و نقائصه، فلو تجسدت النذالة في أكثر صورها دمامة لما كانت غير ولد عبد العزيز.
و لكن لقد أتيحت اليوم لهذا الغبي الذي يحتل القصر الأزرق فرصة التخلص من رجسه الأبدي، غير أنه لم يوفق كعادته في اقتناصها.. فهو لا يتقن غير اقتناص شوارد المال العام، و أوابد الساحات العمومية.
جمعت مسيرة ”معاً ضد الكراهية“ حثالة المواطنين الموريتانيين:
حكومة كالجراد، لو باتت على حجر، لنالت منه عشاءها.. لصوص يسرقون الكحل من عيون المهى.. و أغبياء لا يحسنون إيراداً و لا إصداراً، و جهلة لا فرق لديهم ما بين اللّجين و اللُّجين.. يحرسون مغارة عالي بابا، و يحمون الجلاد من فريسته.
عساكر، لم يوفروا أمناً، و لا حموا دستوراً، و لا رعوا ذماراَ، بطونهم انتفخت مما أكلوا المال الحرام، و شربوا من دماء المواطنين البؤساء.. أسودٌ على المواطنين إن تظاهروا، أرانب حين يواجهون الإرهابيين في غابات واغادو.. إن تعلق الأمر بقمع ”الحمالة“ أو ”النشطاء الحقوقيين“ فهم أجرأ من خاصي أسد، و أن حمي وطيس الوغى و فار تنورها لم تغنهم عُدة و لا عدد.
برلمانيون ببغاوات، لم يهزوا قط رؤوسهم عرضاً.. كأنهم شلة شمبانزي في حضرة غوريلا.. كم أضروا بمصالح الوطن بما مرّروا من قوانين و اتفاقيات، أنهكت البلاد و أهلكت العباد.
و رجال أعمال، لم يستثمروا في صحة و لا تعليم.. و لم يقيموا مشاريع اقتصادية توفر فرص عمل، و تحقق رخاء مادياً، و تعالج الندوب و الخموش من وجه ”عاصمتنا الفتية“.. حثالة يقتاتون على قوت الشعب و قوّته، و يمتصون دمه إلى أن يسقط جثة هامدة، حتى الذباب يعافها.. هنالك يمتطون متن طائرة تمخر بهم عباب السماء إلى شواطيء لاس بلماس و حاناتها و دور قمارها.
و رؤساء أحزابٍ دكاكين، يبيعون مواقفهم كما تبيع المومس فرجها.. لم ينحازوا لمظلوم و لا دافعوا عن قضية، و لا ضحوا لإنقاذ وطنهم الجزور التي تتناوشها الضباع.
و حقوقيون إن جاعوا تذكروا ”الإنسان“ و ناضلوا من أجله، و إن شبعوا حتى من عفونة القمامات قبّلوا كف المستبد، و سحلوا في وجه الضحية.
و وجهاء و شيوخ قبائل و مشائخ صوفية، لا همّ لهم غير التمسح بحذاء الحاكم و لعق رجيعه.. يسوقون أبناء عشائرهم قرابين لآلهة الجشع و الطمع.. لم تبق في وجوههم مزعة لحم لكثرة ما بذلوا أمواه وجوههم، و اعتكفوا في محراب الحرباوية و الارتزاق.
وفقهاء تحت الطلب، لا يزالون يقرأون التاريخ من رجليه.. يقفز الزمن اندفاعات هائلة، و هم يلهجون ضرع التقليد الجماد الذي لا يدرّ غير إقطاع و رجعية.. لا يعصون للحاكم أمراً، فهو ظل الله في أرضه، و خليفته في خلقه.. فمن عارض كفر، و من طالب بحق فجر.. يلوون لمرضاة اللصوص أعناق النصوص، و تتغير فتاويهم بحسب الزمان و المكان و مزاج السلطان.
ومواطن خانع، لا يقول ”لا“ حتى في تشهده، لا يستردّ حقَّه طلاباَ، و لا يأخذ دنياه غلاباَ.. أذل من فقع القاع.. قدره الاضطهاد و الاستعباد، و هو راض بقدره، و مطلوب يتقلب في كف طالبه.. يكفيه فتات مؤائد المترفين، و فضلات جفانهم.. لا تهمه كرامته و لا حريته ما دامت تنتزع و لا تمنح.. إنما يريد الحياة عفوية سهلة، تماماً كما تُهصَر العناقيد، و تُطلِق الولائد الزغاريد.. كل شيء في قراراتهم ناضب: الفكر و العزة و الإحساس.
هؤلاء مَنْ جمعهم ولد عبد العزيز فوق منصته، التي سقطت لما علاها من ”سقوط“، و هم السرطان الذي ينخر جسد هذه البلاد، فلو أراد ولد عبد العزيز التكفير عن جرائمه في حق موريتانيا، لما وجد أفضل لمستقبل البلاد من توبة مقاتل هاراكيري:
فما أن يجمعهم، في تلك الساحة التي تلوثت اليوم برجسهم، حتى يفجرهم و يفجر نفسه بقنابل لا تترك منهم نذلاً واحداً.. و ليتركوا لنا وطنا لا لصوص فيه، فلن نعدم بعدهم ”designated survivor“.
أما هم فسيرحمهم الله بما رحمونا.!